أسطورة الخضر وإلياس
بقلم: محمد عبد اللَّه السمان
سألتني سيدة مسلمة- عن طريق التليفون- عن رأيى في حكاية الخضر، وقالت: إنها شهدت مأتمًا، وسمعت الواعظة تحكي حكايات طويلة عن الخضر، وأنه حي يرزق، وعلى صلة بأولياء اللَّه الصالحين، ويجب علينا إذا ذكر الخضر أن نرد السلام عليه، لأنه في هذه اللحظة التي يذكر فيها يمر بالمجلس الذي ذكر فيه ويلقي السلام على الجلوس.
إن حكاية الخضر هي من تأليف الفرق الباطنية الصوفية، التي تآمرت على عقيدة المسلمين لإفسادها، بل لتخريبها، ومن دعاة هذه الفرق أمثال ابن عربي، وعبد القادر الجيلاني، ومن تأثر بهم أمثال اليافعي والشعراني وغيرهما، ومؤلفات الشعراني محشوة بهذه الأساطير ولا سيما كتاب ( الأخلاق المتبولية ).
وقد اخترعت حكاية ( الخضر ) من قصة لقاء موسى عليه السلام مع العبد الصالح، المذكور في القرآن الكريم في سورة الكهف، واخترع دعاة المذهب الباطني- مع حكاية الخضر- حكاية العلم اللدني، وقالوا: إن العلم علمان: علم ظاهري يهتم به علماء الشريعة، وعلم باطني هو وقف على أولياء اللَّه، أي المتصوفة، ولذاك وجد من السذج وأدعياء العلم معًا، من يدافع عن زيغ الحلاج وابن عربي وابن الفارض وغيرهم.
ذكر القرآن الكريم القصة، ولم يذكر اسم ( العبد الصالح ) ولم يحدد زمن اللقاء، وقال عن المكان: إنه مجمع البحرين، لكن أي مجمع للبحرين؟ فعند طنجة بالمغرب مجمع للبحرين: البحر الأبيض والمحيط الأطلسي، وهناك مجمع البحرين: بحر فارس مما يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب، وهناك ثالثًا مجمع للبحرين بحر الروم وبحر القلزم.
والمفسرون- بلا سند- أجهدوا أنفسهم في تحديد موقع ( مجمع البحرين ) ولو كانت هناك فائدة من تعيين الاسم والزمان والمكان لما سكت القرآن عن هذا التعيين، والأجدر بنا أن نلتزم بما جاء في كتاب اللَّه، ولا نخوض فيما خاضه معظم المفسرين، حيث اختلفوا في تحديد شخصية العبد الصالح أهو نبي أم ولي، ولو التزموا بالنص القرآني لما أجهدوا عقولهم بلا مبرر..
والقرآن الكريم اقتضت بلاغته ألا يشغل الناس بتحديد الأشخاص والأزمنة والأمكنة، في سائر قصصه، ليوجه أذهانهم- فحسب- إلى الحكمة في ذكر القصص، ليتعظوا ويعتبروا، وقد أورد البخاري عن ابن عباس قال: حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول اللَّه- صلوت اللَّه عليه- يقول:
” إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب اللَّه عليه إذ لم يرد العلم إليه: إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب وكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتل- شبه الزنبيل- فحيثما فقدت الحوت فهو ثم- أي هناك…”
وقد اخترعت الفرق الباطنية فكرة المهدي المنتظر، الذي لم يصح فيه حديث واحد، وقد برزت إلى الوجود بعد الفتنة، أي بعد مقتل علي وابنه الحسين من بعده رضي اللَّه عنهما، وتسلل الفرس إلى الدولة المسلمة ثم سيطرتهم عليها، ويبدو أن نشوء فكرة حياة ( الخضر ) سببه مساندة فكرة المهدي المنتظر، والمتصوفة لا يقفون عند حدود الاعتقاد بفكرة المهدي المنتظر وحياة الخضر، بل يضيفون فكرة حياة ( إلياس ) ولا يذكر الخضر لدى العامة إلا ويذكر معه ( إلياس ) والمعروف أن القرآن عرض لقصة إلياس في سورة ( الصافات ) وفي آيات معدودة: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} إلى آخر الآيات: {سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.
وإلياس يقول عنه بعض المفسرين إنه من أبناء هارون أخي موسى، ويقول البعض الآخر إنه هو إدريس عليه السلام، حتى إن قراءة ابن مسعود: وإن إدريس.. بدلاً من: وإن إلياس، وقصة حياة ( إلياس ) من رواية ( وهب بن منبه ) الذي تزعم هو ( وكعب الأحبار ) الزج بالإسرائيليات في تفاسير القرآن، ورواية وهب بن منبه تحكي أن قوم إلياس كانوا يعبدون صنمًا يقال له ( بعل ) فدعاهم إلى اللَّه ونهاهم عن عبادة ما سواه، وكان ملكهم قد آمن ثم ارتد، واستمروا على ضلالهم، ولم يؤمن بإلياس منهم أحد، فدعا اللَّه عليهم، فحبس عنهم القطر ثلاث سنين، ثم سألوه أن يكشف ذلك عنهم، ووعدوه بالإيمان به إن هم أصابهم المطر، فدعا اللَّه لهم فجاءهم الغيث، فاستمروا على أخبث ما كانوا عليه من الكفر، فسأل اللَّه أن يقبضه إليه، فأمره اللَّه أن يذهب إلى مكان كذا وكذا، وليركب أية دابة ستأتي إليه دون أن يهابها.. فجاءته فرس من نار فركب، وألبسه اللَّه تعالى النور، وكساه الريش، وكان يطير مع الملائكة ملكًا إنسيًا سماويًا أرضيًا…
ومن أغرب ما قرأت عن إلياس هذا من كتب المتصوفة:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج لقضاء الحاجة ومعه أنس بن مالك، وبينما هما سائران إذ سمعا دويًا في جبل أبي قبيس، فأمر الرسول أنسًا أن يذهب إلى الجبل ويأتيه بالخبر، فذهب