أساس البناء الإسلامي
بقلم أحمد عبدالرحيم السايح
من المؤكد أن العقيدة الإسلامية قد فضلت سواها… فضلتها بأشياء كثيرة مكنتها في الماضي ، وتستطيع أن تمكنها في الحاضر من علاج مشكلات الناس، وتستطيع أن تمكنها في المستقبل ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذه العقيدة تقوم على التصديق بكل ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، واعتقاده اعتقادًا جازمًا ، كالإيمان بالله تعالى، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقضاء والقدر، والتصديق بالأوامر والنواهي.
وهذه العقيدة هي واحدة لدى المسلمين تجتمع عليها القلوب المؤمنة، وتلتف حولها النفوس الطاهرة.
وهذه العقيدة لا تختلف باختلاف جنس من الأجناس ، أو مصر من الأمصار ، أو جيل من الأجيال … هي واحدة في كل زمان ، وفي كل مكان.
وهذه العقيدة تأبى على المسلم أن يتعلق بالأضرحة ، وقبول الأولياء ، والصالحين ، كما أنها لا تقبل الدروشة والتمسح.
إنها عقيدة صافية تطهر المسلم من أدران الوثنية والجاهلية ، وتصل به إلى خير ما قدر.
قال الله تعالى : (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) [البقرة: 177].
والآية كما ترى مشتملة على خمسة عشر خصلة… وترجع إلى ثلاثة أقسام: فالخمسة الأولى منها تتعلق بالكمالات الإنسانية ، التي هي من قبيل صحة الاعتقاد، وآخرها قوله (والنبيين) وافتتحها بالإيمان بالله واليوم الآخر ، لأنها إشارة إلى المبدأ والمعاد.
والستة التي بعدها تتعلق بالكمالات النفسية… التي هي من قبيل حسن معاشرة العباد. وأولها (وآتى المال) وآخرها (وفي الرقاب).
والأربعة الأخيرة تتعلق بالكمالات الإنسانية. التي هي من قبيل تهذيب النفس وأولها (وأقام الصلاة) وآخرها (وحين البأس) [تفسير الألوسي جـ1، ص349].
وقال تعالى: (يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدًا) [النساء: 136 ].
أمر من الله سبحانه وتعالى موجه إلى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه… وليس هذا من باب تحصيل الحاصل ، بل من باب تكميل الكامل وتقريره ، وتثبيته والاستمرار عليه ، كما يقول المؤمن في كل صلاة اهدنا الصراط المستقيم . أي بصرنا فيه ، وزدنا هدى ، وثبتنا عليه (ابن كثير جـ1 ، ص 566).
ويقول رسول الله عليه الصلاة والسلام : (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد رسولاً) [رواه مسلم والترمذي، التاج جـ2 ص18].
وروى الطبراني عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بالله معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان) (كنز العمال، جـ1 ص19)، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في العقيدة التي جاء بها الإسلام ، وهي في حقيقتها مبينة لما اشتمل عليه القرآن الكريم ، وموضحة له… وهذه العقيدة جمعت المسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأقطارهم، وقد جددت ما مضى من قرابة ، وأكدت الأبوة المنتهية إلى آدم عليه السلام. وإذا كانت أبوة آدم تجمع المسلمين وتوحد بينهم في الأصل ، فإن العقيدة الإسلامية هي أبوة كاملة متكاملة ، ترجع إليها فروع المسلمين ، وتلتقي عندها قلوب المؤمنين ، ولهذا يمكن أن نقول في اطمئنان: إن وحدة المسلمين في جامعة إسلامية ليست خيالاً ، أو جنوحا في التصور ، أو خاطرة من الخواطر ، وإنما هي حقيقة يمكن تحقيقها إذا صح عزم المسلمين وصدقت القلوب.
وانطلاقًا من مفاهيم العقيدة الإسلامية ، جعل الإسلام العصبيات بأنواعها فسوقًا، وانحرافا عن طريق الحق.
(وإن رابطة العقيدة في الإسلام هي رابطة في المبادئ والمثل العليا والأخوة، على صعيد هذه المثل العليا في الحق والخير وتلك التعاليم، هي أعلى وأقوى من رابطة الدم والنسب، والمساكنة في الوطن ، والمشاركة في القومية.
وهذا الأساس هو المنطلق الوحيد للخروج من قوقعة الأنانيات الفردية والقبلية، والقومية ، إلى صعيد اللقاء الإنساني على أساس المبادئ . مبادئ الحق والعدل والخير.
وفي هذا الاطار التربوي النفسي ذاته عالج الإسلام النفس الإنسانية إعدادا لها ، لتحقيق التعارف والتعاون ، فعالج آفاتها وأمراضها الحائلة دون التعاون ، كالحسد والحقد ، والغل ، التي تثيرها دوافع النفعية للذات الفردية أو القبلية أو القومية ، وتزيلها دوافع إرضاء الله والرغبة في حسن ثوابه .
وهذه المعالجة في الإسلام أساسية ، ولا تجدي دونها صلاة ولا صوم ولا حج ، وقد سماها ابن تيمية رحمه الله ، فقه الباط