أسئلة القراء
إعداد وإجابة: أحمد فهمي أحمد
الأخ محمد السيد النجدي من فاقوس شرقية يقول إنه سمع أحد العلماء يقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يحفظ القرآن وهو صغير السن قبل أن ينزل به جبريل عليه السلام؟ ويسأل: إذا كان ذلك صحيحًا فما الدليل؟ وإن لم يكن صحيحًا فما وجه الحقيقة؟
الإجابة
نقول وباللَّه التوفيق
ليس صحيحًا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يعلم القرآن أو يحفظه قبل أن ينزل به جبريل، وهذا الزعم إنما هو فرية من مفتريات المتصوفة التي تناقلوها فيما بينهم حتى تلقفها بعض المستشرقين فقالوا إن القرآن ليس من وحي اللَّه وإنما هو من عقل وفكر محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد عمد مروجو هذه الفرية إلى آيتين كريمتين في كتاب اللَّه فحرفوا معناهما ليتفق مع مفترياتهم، الآية الأولى يقول فيها ربنا عز وجل: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} 114 سورة طه، والآية الأخرى يقول فيها سبحانه: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17 فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 18 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 16- 19 سورة القيامة. فزعموا أن معنى هذه الآيات أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يحرك لسانه ناطقًا بآيات القرآن قبل أن يسمعها من جبريل عليه السلام، فنهاه اللَّه عن ذلك. واستنتجوا من هذا الفهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يعلم القرآن- بل ويحفظه- قبل أن يوحى إليه به.
والحقيقة في هذا الأمر كما ورد عن ابن عباس رضي اللَّهُ عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يبادر فيقرأ ما يقرؤه عليه جبريل قبل أن يفرغ جبريل من قراءته، وذلك حرصًا على الحفظ، وشفقة على القرآن مخافة النسيان، فنهاه اللَّه عن ذلك.
فقد روى الترمذي في سننه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه، يريد أن يحفظه، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قال: فكان يحرك به شفتيه، وحرك سفيان شفتيه. قال الترمذي حديث حسن صحيح.
أما لفظ مسلم عن ابن جبير عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فقال لي ابن عباس: أنا أحركهما كما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحركهما، فحرك شفتيه، فأنزل اللَّه عز وجل: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال جمعه في صدرك ثم تقرؤه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قال فاستمع له وأنصت. ثم إن علينا أن نقرأه، قال: فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، وإذا انطلق جبريل عليه السلام قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه. وخرجه البخاري أيضًا.
ولو كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلم القرآن أو يحفظه قبل نزوله لتغير الأمر في كثير من المواقف التي تعرض لها صلوات اللَّه وسلامه عليه. فمثلاً.
لما تكلم بعض الناس في سيرة عائشة أم المؤمنين رضي اللَّهُ عنها واتهموها بالزنى: يروى البخاري في صحيحه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ( دعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله. فأما أسامة فأشار على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه. فقال أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي فقال: يا رسول اللَّه: لم يضيق اللَّه عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك. فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرًا أغمصه، غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله..).
إلى أن تروى عائشة رضي اللَّهُ عنها فتقول في سياق هذا الحديث ( وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت فتشهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد: يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب اللَّه عليه… ) الحديث.
وهكذا حتى نزل الوحي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببراءة عائشة رضي اللَّهُ عنها في سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ…} الآيات.
ولو كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلم القرآن قبل نزوله لعلم براءة عائشة رضي اللَّهُ عنها، ولتغير الموقف بحيث لا تروي هذه النصوص المذكورة في مثل هذا الحديث.
* * *
هذا مثل واحد والأمثلة كثيرة في كتاب اللَّه عز وجل.
وإني أسأل هؤلاء الذين يزع