الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق اللَّه أجمعين وآله الكرام المطهرين وآل بيته الذين طهرهم اللَّه سبحانه، فقال في كتابه الكريم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، والآية في سورة «الأحزاب» ضمن آيات من قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 28- 34].
فالآيات الكريمة واضحة لكل قارئ عابر، فضلاً عن المتدبر المتأني أنها في حق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهن المقصودات بقوله: {أَهْلَ الْبَيْت}، ولم يرد في القرآن الكريم هذا التعبير إلا في هذا الموضع وفي قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} [هود: 72، 73]، وجاءت بالتنكير في قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} [القصص: 12، 13].
يظهر من سياق الآيات الثلاث أن عبارة أهل البيت إنما يقصد بها الزوجة، فكان مرة عن زوجة إبراهيم عليه السلام، ومرة عن زوجة عمران، ومرة عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك جاء في «لسان العرب» أهْلُ الرجل وأهْلَتهُ: زوجه، وأهلَّ الرجل يأهل أهلاً وأهولاً، وتأهل: تزوج، وأهل فلان امرأة يأهل إذا تزوجها، فهي مأهولة، والتأهل: التزوج، وفي باب الدعاء أهَّلك اللَّه في الجنة إيهالاً ؛ أي زوجك فيها وأدخلكها، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الآهل حظين، والعزب حظًا، الآهل: الذي له زوجة وعيال، والعزب الذي لا زوجة له.
ويؤكد ذلك ما جاء في قوله سبحانه في سورة «القصص»: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا} [القصص: 29]، والواضح هنا أن موسى إنما عاد بزوجه.
وجاء في سورة «يوسف»: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا} [يوسف: 25] يعني زَوْجَك.
يظهر من هذا أن أهل البيت يطلق على الزوجة خاصة، ثم يستعمل في الأولاد والأقارب تبعًا بتتبع سياق القرآن الكريم في المواضع المختلفة.
والواضح في الآيات من سورة الأحزاب أن قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} أن المقصود هم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإنك ترى كتب التفسير عند الشيعة – وهم أكذب الناس – تقول: إن الآية تعني بأهل البيت: الأئمة عليهم السلام، ثم يستشهدون بحديث الكساء([1]) الذي أدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم علي وفاطمة والحسن والحسين، وقال: «هؤلاء أهل بيتي»، ثم لا يُدْخِلُون من ذرية علي أحدًا غيرهم ولا من ذرية الحسن أحدًا، ولكن يجعلون بقية أهل البيت من ذرية الحسين بن علي، ويسوقون بعد ذلك من الكذب ما يسند هواهم ويتعسفون ليخرجوا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من {أَهْلَ الْبَيْت}، بل يخرجون بنات النبي صلى الله عليه وسلم زينب ورقية وأم كلثوم من أهل البيت، ويخرجون أولاد علي غير الحسن والحسين، وهم: محمد ابن الحنفية، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والعباس، وجعفر، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه ويحيى، جميعهم أبناء علي بن أبي طالب، وكذلك أولادهم من الذكور والإناث، بل ويخرجون بنات فاطمة من علي، وهن زينب وأم كلثوم، وأولادهما، فلا يدخلونهم في أهل البيت، ثم يخرجون أبناء الحسن بن علي، بل يخرجون من أبناء الحسين بن علي من لا يرونه موافقًا لهواهم في زعمهم، فيدخلون بهواهم ويخرجون بهواهم، بينما تجد أهل الإنصاف من أهل السنة يؤمنون بالقرآن والسنة جميعًا ؛ لأنه كله وحي من عند اللَّه لا يناقض بعضه بعضًا.
فانظر إلى ابن كثير في تفسيره يقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا ؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية وسبب النزول داخل فيه قولاً واحدًا، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح، ثم ساق آثارًا عن عكرمة([2]) أنه كان ينادي بهذه الآية ويقول: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وساق أنه قال: من شاء باهلته([3])، أنها نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وساق عكرمة ذلك عن ابن عباس.
ثم قال ابن كثير: فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح، وإن أراد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر، ثم ساق جملة من الأحاديث يثبت أن أهل البيت هم كل من حرم الصدقة، فجاء بقول زيد بن أرقم عند مسلم (نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم ؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، رضي اللَّه عنهم.
فهذا قول أهل الإنصاف، والجمع بين الآية الكريمة في نصها وسبب نزولها وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على أن قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من علي وإخوته عقيل وجعفر وعمه العباس وآل كل منهم من أهل البيت، فهذا مفسر من أهل السنة بين أهل البيت منصفًا جامعًا بين الآية والأحاديث الصحيحة.
وحديث مسلم عن عائشة قالت: كان الناس يتصدقون على بريرة([4]) وتهدي لنا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «هو عليها صدقة، ولكم هدية فكلوه». دال على أن زوجاته ممن حرم الصدقة كسائر أهل بيته.
وهذا حديث مسلم واضح وهو من أهل السنة.
وأما القرطبي وهو من أهل السنة أيضًا فيقول: والذي يظهر أن الآية عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال: {وَيُطَهِّرَكُمْ} – بالتذكير – لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعليًّا وحسنًا وحسينًا كانوا فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت ؛ لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن، بل عليه سياق الكلام. واللَّه أعلم.
هذا، مع أن لفظة أهل مذكرة، فالخطاب يأتي معها بصيغة التذكير كما جاء في سورة القصص: {أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} [القصص: 12]، وفي هود: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73]، والمقصود في ذلك الزوجات.
وإن هذه القضية هي أم القضايا عند الشيعة إذا انهارت انهار كل مذهبهم، فإذا ثبت أن أهل البيت يدخل فيهم آل عباس وآل عقيل وآل جعفر، بل وبقية آل علي، فضلاً عن دخول الزوجات انهار كل مذهب الشيعة وتهاوى ولم يبق لهم من قول يعتمد بعد.
وسائر القضايا التي يبني عليها الشيعة مذهبهم إنما يتبعون فيها الشبهات للزيغ الذي في قلوبهم ليضلوا الناس، ودين الشيعة مبني على عبادة القبور والشرك الصريح باللَّه رب العالمين، والمطالِع لكتبهم في القديم والحديث يعلم أنهم عباد أوثان ينسبون لأئمتهم ما لا ينسب إلا للَّه رب العالمين، ويفضلون أئمتهم على الأنبياء والمرسلين، ولا يغرك دعواهم فهم صنيعة اليهود وتاريخهم في الكيد للمسلمين ملوث بالدماء، أقول هذا لأن دعاوى التقريب تريد أن تجعلهم مذهبًا فقهيًّا خلافاته في الفرعيات وليست في الأصول.
فانظر كيف أن الهوى يهوي بصاحبه ليبلغه المهالك، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، والحمد للَّه على الهداية، ونسأل اللَّه أن يجنبنا الهوى والغواية.
واللَّه من وراء القصد.
وكتبه: محمد صفوت نور الدين