الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

خطـــآن  هما سبب النكسة

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

حالة الضعف المزري التي يمر بها العرب الآن ومعهم المسلمون في كل مكان السبب فيها خطآن وقع فيهما العرب خلال القرن العشرين الميلادي، أسبقهما وجودًا هو الخطأ الأم، ثم جاء الخطأ الثاني تابعًا له ومكملاً لما كان مرادًا منه.

أول هذين الخطأين: انفصال الأمة العربية قبيل الحرب العالمية الأولى عن حزام دولة الخلافة العظمى، وانضمامها للحلفاء: إنجلترا، فرنسا، روسيا القيصرية، فقد خدع الحلفاءُ العربَ وقتها وجذبوهم ليكونوا جنودًا لهم في الحرب ضد دولة الخلافة وحليفتها ألمانيا.

خدعوهم ومَنُّوهم بقيام دولة عربية، خاصة بعد الانتصار على تركيا، وخاض العرب المعركة بجد وإخلاص، ولولا العرب ما كان للحلفاء نصر في الجبهة الشرقية، وكانت مصر مفصولة عن دولة الخلافة بفعل الاحتلال الإنجليزي لها بعشرات السنين.

وبعد تحقيق انتصار الحلفاء فوجئ العرب بأنهم كانوا أدسم غنيمة أسفرت عنها المعركة، وأنهم قُسِّموا وقُسمت بلادهم في أثناء المعركة بين كل من إنجلترا وفرنسا في اتفاقية «سايكس – بيكو»، وبدلاً من أن تقدم لهم دولة – كما وعدوهم – أصبحوا هم وبلادهم في قبضة العدو الماكر، وكانت فلسطين الغالية من نصيب إنجلترا بسعي خاص منها في الاتفاق السري الذي عقد في أثناء الحرب، كان هذا الخطأ أكبر هزيمة عربية على مدى التاريخ القديم والحديث.

ثم كملت إنجلترا «اللعبة» بعد الحرب العالمية الثانية، وصدر وعد بلفور بقيام دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين، ومنذ ذلك الوقت (1947) والعد التنازلي بدأ بسرعة في جانب الوجود العربي عالميًّا.

ولم تسفر الحروب التي دارت بين العرب وإسرائيل إلا على توسع جديد لليهود، وانكماش وتخاذل للعرب، وظهرت لهم خلال هذه الحروب حقائق لم يقدروها حق قدرها، ولا يزال ذلك الخطأ يؤتي أكله لإسرائيل وأسياد إسرائيل.

ثم كان الخطأ الثاني الذي    وقع بالتدريج، وفق خطة صليبية صهيونية حاقدة، إنه خطأ قبول التصالح مع إسرائيل وحمل مؤنة هذا الخطأ – تحت ظروف استثنائية قاهرة، أوجدها أسياد إسرائيل – الرئيس الراحل محمد أنور السادات – ففاجأ العالم كله بزيارته الذليلة للكيان الصهيوني، ثم تتابعت الأحداث، وكانت اتفاقية كامب ديفيد اللعينة بقيادة كارتر أمريكا، واطمأن الغرب وإسرائيل لجانب مصر كبرى الدول العربية ورائدة العالم الإسلامي.

ثم تتابع التهاوي فوقعت الأردن والشعب الفلسطيني في قبضة إسرائيل بقيادة أمريكًا طبعًا.

ثم فغرت إسرائيل فاها لتبتلع سوريا لتفرغ جهودها لمضغ لبنان، وتنتهي مشكلة إسرائيل إلى الأبد.

هذان الخطآن اللذان حفرا قبر العرب وهم أحياء، ولولا أولهما ما كان ثانيهما.

فمن يلوم إسرائيل يا ترى في أعمالها الوحشية التي تمارسها كل حين مع لبنان ؟ لقد تمكنت إسرائيل في قلب الوطن العربي وهي عصابة لا تملك أمام العرب والمسلمين إلا الحقد، ولا تنوي لهم إلا الشر، إنها تتحرك وهي آمنة، فظهرها محمي بفعل الاتفاقات بينها وبين من تَصَالح معها، فلماذا لا تصنع في جنوب لبنان ما تصنع روسيا المجرمة في شيشان المسلمين، وظهرها محمي من سادتها في الغرب، وبخاصة أمريكا العدو الأملس للعرب والمسلمين ؟

إن أكلة لحوم الأنبياء لن يتورعوا عن أكل لحوم البشر. ولحوم العرب والمسلمين لها طعم لذيذ في أفواه إسرائيل، ولها منظر خلاب في عيون أسياد إسرائيل.

رأيت رئيس وزراء إسرائيل وبعض معاونيه على شاشة التليفزيون المصري وهو يتوعد لبنان بالشر المستطير، رأيته وهو يتحدث بلهجة غاضبة يكاد الرجل يقذف بنفسه من فوق مقعده من شدة الانفعال والحقد، رغم كل الاحتجاجات الباردة والساخنة التي تنتقد إسرائيل على إجرامها ووحشيتها، وسط هذا الجحيم المستعر لم نر رد فعل إيجابي من العرب يحدث شرخًا في كبرياء إسرائيل، اللهم إلا تحركًا مصريًّا وإن كان هادئًا، فإن فيه عزاءًا لنا، وإيذانًا بأن الموقف الذي يسود المنطقة العربية، قد يتغير إذا لم تكف إسرائيل شرها عن الأبرياء.

وحتى هذا التحرك المصري (الهادئ) أغضب إسرائيل طبعًا وأغضب حماة إسرائيل لأمر مفهوم، هو أن الغرب يريد أن تكون إسرائيل هي الباطشة وليست المبطوشة والعرب هم المبطوشين.

واللَّه من وراء القصد.

بقلم: أ. د. عبد العظيم المطعني (الأستاذ بجامعة الأزهر)

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا