الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وبعد:
فمنذ حوالي شهرين أو أكثر قليلاً كانت وكالة أنباء «الإسوشيتد برس» قد أذاعت من الفاتيكان أن البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان قد أعلن أن اتساع وازدياد معرفة المسيحيين الكاثوليك بالدين الإسلامي أسفر عن تزايد تقديرهم للإسلام، وأكد أهمية وضرورة الحوار بين الكنيسة وبين العالم الإسلامي.
وفي لقائه بعدد من الكرادلة الكاثوليك من بنجلاديش قال البابا: إن هناك عددًا من المعتقدات المشتركة بين الديانتين منها على وجه الخصوص الإيمان باللَّه الرحيم، القادر، الذي اتصل بالإنسان من خلال الوحي.
وأضاف أن هذه المعتقدات المشتركة تمثل أساسًا طيبًا لدفع التفاهم المتبادل.
وهذا الذي أثاره بابا الفاتيكان عن ضرورة إيجاد حوار بنّاء بين الكنيسة وعلماء الإسلام شيء يجب أن نرحب به كل الترحيب ؛ لأن أنصار المسيحية إذا تخلوا عن التعصب والغلو لتأكدوا أن الإسلام هو دين الفطرة التي فطر اللَّه الناس عليها، فإن العقل الواعي المجرد من التعصب الممقوت لا يقبل بأي حال من الأحوال أن يطلق على اللَّه الواحد الأحد صفات تتنافى مع وحدانيته سبحانه وتعالى كإيمان المسيحيين بأن المسيح ابن اللَّه أو هو اللَّه نفسه.. إلى غير ذلك من المعتقدات التي تتنافى مع الفطرة السليمة ولا يقبلها العقل المنصف.
تفاءلنا خيرًا حين أثار بابا الفاتيكان هذه القضية، وقلنا: لعل ذلك فتح جديد للإسلام، ولكن تتابع الأخبار بعد ذلك أوضح حقيقة الدعوة إلى هذا الحوار وبين أن هدفها هو العمل على زيادة التبشير التنصيري وإيقاف المد الإسلامي.
ففي أسبوع واحد أشهر إسلامهم ثلاثة من أكبر الشخصيات العالمية أمام فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر.
أما الأول فهو الدكتور آرث جيمس اليسون رئيس أكاديمية الكهرباء والعلوم الإلكترونية ببريطانيا، وكان قد شهد جلسات مؤتمر الإعجاز الطبي في القرآن الذي عقد بالقاهرة في شهر المحرم 1406 هـ (الثلث الأخير من سبتمبر 1985م).
والثاني هو الدكتور رولاند إميل لاهي، الخبير الاستشاري بالبنك الدولي للإنشاء والتعمير في مشروعات الدول النامية، وهو كندي الجنسية.
والثالث هو الدكتور فرانسوا بندرينك، أكبر محام في بروكسل ببلجيكا، وقد أرسل إلى الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف يطلب منحة دراسية خاصة بالأزهر لدراسة الإسلام واللغة العربية، حيث قرر إغلاق مكتبه الخاص والحضور إلى مصر للدراسة والعودة مرة أخرى إلى بلاده، وقد استجاب الوزير لطلبه بشأن تخصيص المنحة الدراسية، وبدأت إجراءات التنفيذ.
ومن قبل هؤلاء بشهور أشهر إسلامه أمام شيخ الأزهر خبير مضخات بترولية أمريكي سمى نفسه أحمد بريان بدلاً من اسم (ريتشارد).
أعود مرة أخرى إلى الفاتيكان فأقول: إن تتابع هذه الأخبار عن المد الإسلامي وانتشاره بين هؤلاء المثقفين بين لنا أن البابا لم يكن مخلصًا في دعوته إلى ضرورة إيجاد حوار بين الكنيسة وعلماء الإسلام.. بل لعله كان يتصور – واهمًا – أن نتيجة هذا الحوار ستكون في صالح الصليبية، فقد نشرت صحيفة «الهيرالدتربيون» الواسعة الانتشار دراسة تقول فيها: إن البابا منزعج ؛ لأن المبادئ الإسلامية تلقى قبولاً واسعًا في إفريقيا وآسيا، وأن المد الإسلامي يهدد التبشير بالمسيحية رغم قصور الإمكانيات الإسلامية وتضخم المساعدات التي تقدمها الكنيسة.
ونحن نقول لكل من يهمه أمر الإسلام في مصر وخارج مصر: إن الدعوة إلى اللَّه تستدعي بذل أقصى الجهود الممكنة لعرض الإسلام على غير المسلمين عرضًا سليمًا دقيقًا حكيمًا، وإذا كانت المساعدات التي تقدمها الكنيسة مساعدات ضخمة كما هو الواقع الفعلي فلا يجوز أبدًا أن نقابل ذلك بالقصور في الإمكانيات الإسلامية، ولا يجوز أن ننسى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام بدعوة سائر القوى السياسية المحيطة بأرض الجزيرة إلى الدخول في الإسلام، فأرسل رسله إلى هرقل، وكسرى، والمقوقس، ونجاشي الحبشة، وإلى الحارث الغساني ملك الحيرة، وإلى عامل كسرى في اليمن، وإلى أمير البحرين، وأمير اليمامة.
وقد كانت مخاطبة الملوك وأصحاب الشأن خطوة جديدة للخروج بالدعوة من نطاقها المحدود إلى نطاق عالمي غير محدود، لقد دعاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، وقال لهم في آخر دعوته: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
فعلينا نحن أيضًا أن نعمل على إيقاف التبشير الصليبي وعلى نشر الإسلام والتعريف به، حتى يدخل الناس في دين اللَّه أفواجًا، وإن ظل بابا الفاتيكان منزعجًا كما يريد.
وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
بقلم الشيخ أحمد فهمي