الحديث هنا صحيح !!
l جاءت لنا رسالة من الأخ محمد زايد حسن كريم، وجه فيها ملاحظات ونصائح طيبة للمجلة نشكره عليها، وسأل في رسالته الكريمة عما ورد في باب الفتاوى من ذكر دعاء بعد الوضوء: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين»، وينقل أن في «فقه السنة» نقل قول الترمذي في سنده اضطراب ؟
¥ الجواب: أن الحديث صحيح، أصله في «مسلم». وقال ابن القيم في «زاد المعاد»: وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق، لم يقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئًا منه ولا علمه لأمته ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله، وقوله: «أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» في آخره. وقال المعلق عن حديث الترمذي بزيادته: وزيادة الترمذي حسنة لها شاهد تتقوى به، ونقل ذلك عن الحافظ ابن حجر في «التلخيص».
وفي «تحفة الأحوذي» قال المباركفوري عن حديث الترمذي: فهو حديث سالم من الاضطراب وساق كلامًا طويلاً ختمه بكلام ابن القيم الذي نقلناه من «زاد المعاد».
وقد نبه على ذلك العلاّمة الألباني – رحمه اللَّه تعالى – في «تمام المنة»، وقال: إسنادها صحيح، ثم قال: ولذلك جزم ابن القيم في «زاد المعاد» بثبوت الحديث مع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا خطيب تأثر بدعاية الجاهلية !!
l يسأل: ف. م. أ:
في حجة الوداع طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع، ثم اغتسل غسلاً واحدًا، ويقول أحد الخطباء: إن ذلك ليس جماعًا، ولكن كان يطوف على بيت كل واحدة فيسألها في حجرتها: ألك حاجة، وينتقل للأخرى. نرجو الإفادة بالمعنى الصحيح، وجزاكم اللَّه خيرًا ؟
¥ الجواب: أن ما ذُكر إنما هو حول أمرين مختلفين:
الأول: ما أخرجه البخاري عن هشام عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة. قال: قُلت لأنس: أو كان يطيقه ؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين.
وفي البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: طيبت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند إحرامه، ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا.
يقول ابن القيم: فلما أراد الإحرام اغتسل غسلاً ثانيًا لإحرامه غير غسله للجماع.
والثاني: ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي اللَّه عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلوى، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر.
وفي «سنن أبي داود» من حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قَلَّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها.
الأمران مختلفان ؛ الأول عن جماعه لزوجاته جميعًا في ليلة واحدة، وهو ما حدث في ذي الحليفة من العام العاشر للهجرة، وكان عمره عندئذ ثلاثًا وستين عامًا، والأمر الثاني كان يتكرر في كل يوم يمر على زوجاته يسأل كلاًّ منهن عن حالها.
وعن الحال الأول قال الحافظ في «الفتح»: وهو دليل على كمال البنية وصحة الذكورية، والحكمة من كثرة أزواجه أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها فينقلنها، وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب.
وأيضًا ذُكر جماعه صلى الله عليه وسلم لزوجاته في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم من حديث أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه في ليلة فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلاً ؟ فقلت: يا رسول اللَّه، لو اغتسلت غسلاً واحدًا، فقال: «هذا أطهر وأطيب». وفي رواية أبي داود قال: «هذا أزكى وأطيب وأطهر». وقال الألباني: حسن.
قال الحافظ في «الفتح» عند حديث (5069): كان مع كونه أخشى الناس للَّه وأعلمهم به يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال ولإظهار المعجزة البالغة في خرق العادة لكونه كان لا يجد ما يَشبع به من القوت غالبًا، وإن وجد كان يؤثر بأكثره، ويصوم كثيرًا ويواصل، ومع ذلك كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، ولا يطاق ذلك إلا مع قوة البدن، وقوة البدن تابعة لما يقوم به من استعمال المقويات من مأكول ومشروب، وهي عنده نادرة معدومة.
وجاء في «سبل الهدى والرشاد» (9/75): روى الحافظ في «الفتح» قال: كل من كان أتقى للَّه كان أشد شهوة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في «سراج المريدين»: قد أتى اللَّهُ تعالى رسوله خصيصة عظيمة وهي قلة الأكل والقدرة على الجماع، فكان أقنع الناس في إلفه، وتقنعه العُلْقة وتشبعه الحزة، وكان أقوى الناس على الوطء.
وقال القاضي عياض: متفق على المدح بكثرته – أي الجماع – والفخر بوفوره شرعًا وعادة، فإنه دليل على الكمال وصحة الذكورية، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمدح به سيرة ماضية، وأما في الشرع فسنة مأثورة حتى لم يره العلماء مما يقدح في الزهد. وسأل بلال بن أبي بردة محمد بن واسع: ما بال القرى أغلم الناس ؟ قال: لأنهم لا يزنون. وقيل لرقية بن مسلمة: ما بال القرى أكثر نهمة وأكثر شيء غلمة ؟ قال: أما النهمة فإنهم يصومون، وأما الغلمة فإنهم لا يزنون.
وقال الغزالي: وأنت لو حفظت عينيك وفرجك كما يحفظون لنكحت كثيرًا كما ينكحون.
هذا، وننقل من كلام ابن حجر في «الفتح» عشرة حِكَم لتعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:
قال ابن حجر:
أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة، فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.
ثانيها: لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
ثالثها: للزيادة في تألفهم لذلك.
رابعها: للزيادة في التكليف، حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ.
خامسها: لتكثر عشيرته من جهة نسائه، فتزاد أعوانه على من يحاربه.
سادسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال ؛ لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.
سابعها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج أم حبيبة، وأبوها إذ ذاك يعاديه، وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.
ثامنها: ما تقدم مبسوطًا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال، وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته، فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم.
تاسعها وعاشرها: ما تقدم نقله عن صاحب «الشفاء» من تحصينهن والقيام بحقوقهن واللَّه أعلم.
قال القاضي عياض في «الشفا»: إن عدم القدرة على النكاح نقصٌ، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها، إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام أو بكفاية من اللَّه تعالى كيحيى عليه السلام فضيلة زائدة لكونها مشغلة في كثير من الأوقات حاطة إلى الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه درجة علياء وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن، بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره، فقال صلى الله عليه وسلم: «حبب إليَّ من دنياكم». فدل أن حبه لما ذكر من النساء والطيب اللذين هما دنيا غيره واستعماله لذلك ليس لدنياه بل لآخرته.
وكان حبه الحقيقي المختص بذاته في مشاهدة جبروت مولاه ومناجاته، ولذلك ميز بين الحبين وفصل بين الحالين فقال: «وجعلت قرة عيني في الصلاة». فقد ساوى يحيى وعيسى في كفاية فتنتهن وزاد فضيلة بالقيام بهن، وكان صلى الله عليه وسلم ممن أقدر على القوة في هذا وأعطي الكثير منه، ولهذا أبيح له من عدد الحرائر ما لم يبح لغيره، وقد روينا عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة. قال أنس: وكنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين. اهـ.
هذا، وباب الفتاوى لا يتحمل بسطًا أو إطالة، والموضوع يحتاج إلى كلام أكثر، وإنما ذكرت ما سبق ؛ لأن السائل تحدث عن خطيب تأثر بدعاية الجاهلية، فأردت أن أضع كلمات موضحة، ولا يزال الأمر يحتاج إلى المزيد. واللَّه الموفق.
التعــامـــــــل مـــــع الشـــركــــــة الإيطاليــــــــة حــــــــــــــــــرام !!
l ويسأل سائل:
ظهرت في هذه الأيام شركة إيطالية تسمى «فيوتشر ستراتيجيز» ش. م. م. مسجلة في غرفة التجارة والصناعة الإيطالية في مدينة مودنا منذ عام 1994م. يشترك من أراد فيها بأن يشتري استمارة بمبلغ 40 دولارًا ويرسل على عنوان الشركة 40 دولارًا، ويرسل للذي في مركز القمة 40 دولارًا، وتقوم الشركة بإرسال ثلاث استمارات يبيع كل واحدة بمبلغ 40 دولارًا ليحصل على المبلغ بالكامل الذي دفعه، ثم ينتظر حتى يصل لمركز القمة ليحول له 87480 دولارًا، فهل هذا جائز شرعًا، حيث إن كثيرًا من الشباب يشتركون فيها ؟
¡ الجواب: الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه.. وبعد:
فإن التعامل مع الشركة المذكورة بالنظام الذي ذكره السائل وغيره حرام قطعًا لتعدد أسباب تحريمه على النحو الآتي:
أولاً: تشتمل هذه المعاملة على غرر فاحش محرّم ؛ لأن الشركة عندما تتوقف لأي سبب من الأسباب فإن ضررًا كبيرًا يلحق بمن اشترى الشهادات ولم يقبض، بينما يحصل آخرون مالاً كثيرًا حرامًا دون جهد أو معاناة، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر.
ثانيًا: تشتمل هذه المعاملات على الرهان المحرّم لما فيها من الجهالة والغرر والمقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام، ورفع لرايته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل».
ثالثًا: هذه المعاملات من الميسر الذي حرّمه اللَّه في القرآن، حيث إن الميسر في أصله: وصول المال إلى الإنسان بغير كد ولا تعب من غير طريق الصدقة والهبة والهدية والميراث.
رابعًا: هذه المعاملات من أكل أموال الناس بالباطل ؛ لأنها أخذ مال الغير بلا مقابل دنيوي ولا أخروي، وهذا قد حرمه القرآن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29].
خامسًا: تشتمل هذه المعاملات على ربا الفضل وربا النسيئة وكلاهما حرام ؛ فإن المتعامل بها يدفع مبلغًا معينًا ويأخذ أكثر مما دفعه، وهذا ربا الفضل أي الزيادة.
وهو لا يأخذ ما يحصل عليه إلا بعد مدة، وهذا ربا نسيئة أي ربا التأجيل وكل الربا حرام بنص القرآن والسنة.
سادسًا: هذه المعاملات بيع ديْن بديْن ؛ لأن الشهادات المذكورة ليست سلعة حقيقية، ولا هي بديل عن سلعة كالأسهم.
وليست أوراقًا مالية معترفًا بها تقوم مقام النقود كالشيكات فيؤول الأمر أنك تبيع دينًا (وهو المكتوب في الشهادة) بدين (وهو المبلغ الذي تنتظره).
وبيع الدين بالدين قد حرّمه ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم. واللَّه أعلى وأعلم.