الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

قصة مرض الصحابي خوات بن جبير ووصية النبي صلى الله عليه وسلم له

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

قصة مرض الصحابي خوات بن جبير ووصية النبي صلى الله عليه وسلم له

إعداد: علي حشيش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ:
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم؛ حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة القصاص والوعاظ، وإلى القارئ الكريم التخريج والتحقيق:
أولاً: أسباب ذكر هذه القصة:
1- اشتهار هذه القصة لوجودها في بعض كتب السنة الأصلية، كما سنبين من التخريج.
2- القصة متعلقة بمرض الصحابي خوات بن جبير، وقد ثبت صحبته حيث ذكره الإمام الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير المتوفى سنة (630هـ) في كتابه «خوات بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي يكنى أبا عبد الله وقيل أبو صالح».
كذلك ذكره الحافظ ابن حجر المتوفى سنة (852هـ) في «الإصابة في تمييز الصحابة» (2/346/2300) ناقلاً نسبه الذي ذكره ابن الأثير، ثم قال: «ذكره موسى بن عقبة، وابن إسحاق، وغيرهما في البدريين، وقالوا: «إنه أصابه في ساقه حجر فَرُدَّ من الصفراء، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه». كذا ذكره ابن الأثير.
كذلك ذكره الإمام الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» (5/516/1716)، وقال: «خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري، والد صالح بن خوات بن جبير، له صحبة، روى عنه ابنه صالح بن خوات بن جبير وآخرون». اهـ.
3- عندما نثبت هذه الصحبة للصحابي خوات بن جبير، ثم يذكر أنه مرض ثم عافاه الله ثم لقيه النبي صلى الله عليه وسلم، كما سنبين في متن هذه القصة، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه فقال: «يا خوات فِ الله بما وعدت». اهـ.
قوله: «فِ الله» أي: من الوفاء بالوعد.
4- وإن تعجب فعجب أن يقول الصحابي خوات بن جبير للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله ما وعدتُ شيئًا»، كما سنبين في المتن.
5- ويذكر في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يرد على نفي خوات بن جبير «يا رسول الله ما وعدت شيئًا». ويكرر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: «ففِ الله بما وعدت»، ويبين له النبي صلى الله عليه وسلم كيف وعد.
6- ويحاول البعض أن يؤول الكلام المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة، وذلك لعدم درايته بالصناعة الحديثية، متوهمًا أن القصة ثابتة، وهي كما سنبين من التخريج والتحقيق أنها لم تصح، فأثبت العرش ثم انقش؛ حتى لا تتعرض لوعيد قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخرج الإمام البخاري في «صحيحه» (ح109): من حديث سلمة بن الأكوع قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار».
من أجل هذه الأسباب سنبين للقارئ الكريم حقيقة هذه القصة من التخريج والتحقيق.
ثانيًا: المتن:
رُوِيَ عن خوات بن جبير قال: «مرضت ثم أَفقتُ فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صَحّ جسمك يا خوات». قلت: وجسمك يا رسول الله، فقال: «يا خوات فِ لله بما وعدت».
قلت: يا رسول الله، ما وعدت شيئًا.
قال: «بلى يا خوات إنه ليس من مريض إلا جعل الله على نفسه إذا عافاه الله يفعل خيرًا وينتهي عن الشر، ففِ الله بما وعدت».
ثانيًا: التخريج:
1- الخبر الذي جاءت به هذه القصة أخرجه الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني المتوفى سنة (365هـ) في «الكامل» (6/146) (24/1645) قال: «حدثنا جعفر بن أحمد بن مروان الوزان الحراني بحلب، حدثنا علي بن جميل حدثنا محمد بن الحجاج البغدادي المصفر، حدثني خوات بن صالح بن خوات بن جبير، عن أبيه، عن جده خوات بن جبير قال: «مرضت ثم أفقت فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم…» القصة.
2- وأخرجه الإمام الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة (360هـ) في «المعجم الكبير» (4/204) (ح4148) قال: «حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني حدثنا محمد بن الحجاج المصفر به. مختصرًا».
رابعًا: التحقيق:
الخبر الذي جاءت به هذه القصة لا يصح، والقصة واهية.
1- الراوي الأعلى لهذا الخبر الصحابي خوات بن جبير أبو عبد الله ويقال: أبو صالح، روى عنه ابنه صالح بن خوات بن جبير كذا في «تهذيب الكمال» (5/516/1716) وتطبيقه في سند هذا الخبر، وهذا مهم حيث وقع تصحيف في بعض الكتب التي أخرجت هذا الخبر في اسم الراوي عن الصحابي خوات بن جبير.
2- علة هذا الخبر: محمد بن الحجاج المصفر البغدادي، قال الإمام الذهبي في «الميزان» (3/509/7352): روى عن خوات بن صالح بن خوات بن جبير، قال يحيى بن معين: «ليس بثقة»، وقال أحمد: «قد تركنا حديثه».
وقال البخاري: «سكتوا عنه»، وقال النسائي: «متروك». ثم ذكر الإمام الذهبي هذا الخبر وجعله من عجائب محمد بن الحجاج المصفر فقال: «ومن عجائبه حدثني خوات بن صالح بن خوات بن جبير عن أبيه عن جده قال: مرضت ثم أفقت فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم…» القصة.
3- وقال الإمام الحافظ ابن حبان في «المجروحين» (2/296): «محمد بن الحجاج المصفر كان ببغداد منكر الحديث جدًّا، لا تحل الرواية عنه». اهـ.
4- لقد نقل الإمام الذهبي أقوال أئمة الجرح والتعديل في محمد بن الحجاج المصفر، وكان لا بد من بيان مصطلحات هؤلاء الأئمة لنقف على درجته خاصة أن الإمام الذهبي نفسه قال في «الموقظة» (ص48): «ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام: عُرْف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه، ومقاصده بعباراته الكثيرة».
ثم قال: «وأما قول البخاري: سكتوا عنه. فظاهرها أنهم ما تعرضوا له بجرح ولا تعديل وعلمنا مقصده بالاستقراء: أنها بمعنى تركوه». اهـ.
قلتُ: ولقد قال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (1/64): «محمد بن حجاج المصفر كان ببغداد أبو عبد الله: «سكتوا عنه»». اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير في «اختصار علوم الحديث» (ص89): «وثَمَّ اصطلاحات لأشخاص، ينبغي التوقيف عليها، من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: «سكتوا عنه» أو «فيه نظر» فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التخريج؛ فليعلم ذلك». اهـ.
قلتُ: ولقد قال الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (534): «محمد بن الحجاج المصفر: متروك الحديث». اهـ.
قلتُ: ولقد قال الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (534): «محمد بن الحجاج المُصفر: متروك الحديث». اهـ.
وهذا المصطلح عند النسائي له معناه، حيث قال الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة» (ص73): «كان مذهب النسائي ألا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه». اهـ.
5- ونقل الحافظ ابن حجر في «اللسان» (5/133) (391/7176) أقوال أئمة الجرح والتعديل التي نقلها الإمام الذهبي في «الميزان» في محمد بن الحجاج المصفر وأقرها، وزاد عليها: «قال الأزدي: وهو متروك الحديث، وقال العجلي: متروك الحديث، وقال حاتم بن الليث: كان يتشيع فتُرِكَ حديثه، وقال أبو داود: غير ثقة، وقال أبو نعيم الأصبهاني: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: روى أحاديث بواطيل». اهـ.
خامسًا: الاستنتاج:
مما أوردناه من أقوال أئمة الجرح والتعديل يتبين أن: محمد بن الحجاج المصفر: متروك منكر الحديث جدًّا لا تحل الرواية عنه غير ثقة يروي أحاديث بواطيل، فالخبر باطل، والقصة واهية لا تحل روايتها.
سادسًا: طريق آخر للقصة:
أخرجه الإمام الحافظ الطبراني في «الكبير» (4/205) (ح4148) قال: حدثني موسى بن زكريا التستري، حدثنا شباب العصفري، حدثنا عبد الله بن إسحاق الهاشمي، حدثنا خوات بن صالح بن خوات بن جبير، عن أبيه، عن جده، فذكر القصة باختصار.
وأخرجه الحافظ في «المستدرك» (3/413) قال: حدثنا أحمد بن يعقوب الثقفي، حدثنا موسى بن زكريا التستري به.
وعلته: موسى بن زكريا التستري، قال الإمام الذهبي في «الميزان» (4/205/8864): «تكلم فيه الدارقطني، وحكى الحاكم عن الدارقطني: أنه متروك». اهـ.
وعلة أخرى: عبد الله بن إسحاق الهاشمي قال العقيلي في «الضعفاء الكبير» (2/233/783): «له أحاديث لا يُتابع منها على شيء». اهـ. فهذا الطريق سنده تالفٌ لا يزيد القصة إلا وهنًا على وهن.
هذا ما وفقني الله تعالى إليه، وهو وحده من وراء القصد.

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا